فصل: فصلٌ: (مَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (مَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا):

(وَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مَلَكَهَا) وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَمْلِكُهَا، لِأَنَّ الْغَصْبَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ.
وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبَدَلَ بِكَمَالِهِ وَالْمُبْدَلُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَمْلِكُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ نَعَمْ قَدْ يُفْسَخُ التَّدْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَكِنَّ الْبَيْعَ بَعْدَهُ يُصَادِفُ الْقِنَّ.
قَالَ: (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ)، لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ)، لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِالْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ.
قَالَ: (فَإِنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ وَقَدْ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ وَهُوَ الْغَاصِبُ) لِأَنَّهُ تَمَّ لَهُ الْمِلْكُ بِسَبَبٍ اتَّصَلَ بِهِ رِضَا الْمَالِكِ، حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْمِقْدَارَ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ ضَمِنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، حَيْثُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَأَخَذَهُ دُونَهَا لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَلَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ مَا ضَمِنَهُ أَوْ دُونَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَخِيرِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُعْطِ لَهُ مَا يَدَّعِيهِ وَالْخِيَارُ لِفَوَاتِ الرِّضَا.
قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ)، لِأَنَّ مِلْكَهُ الثَّابِتَ فِيهِ نَاقِصٌ لِثُبُوتِهِ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةً، وَلِهَذَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ دُونَ الْأَوْلَادِ، وَالنَّاقِصُ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ كَمِلْكِ الْمُكَاتَبِ.
قَالَ: (وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَنَمَاؤُهَا وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إنْ هَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا أَوْ يَطْلُبَهَا مَالِكُهَا فَيَمْنَعَهَا إيَّاهُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً لِوُجُودِ الْغَصْبِ، وَهُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَمَا فِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ إذَا وَلَدَتْ فِي يَدَيْهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.
وَلَنَا: أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَدُ الْمَالِكِ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْوَلَدِ لَا يُزِيلُهَا إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ، حَتَّى لَوْ مَنَعَ الْوَلَدَ بَعْدَ طَلَبِهِ يَضْمَنُهُ، وَكَذَا إذَا تَعَدَّى فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَذَلِكَ بِأَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ، وَفِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ لَا يَضْمَنُ وَلَدَهَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِرْسَالِ لِعَدَمِ الْمَنْعِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا هَلَكَ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّرْعُ، عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فَهُوَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ، وَلِهَذَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا وَيَجِبُ بِالْإِعَانَةِ وَالْإِشَارَةِ فَلَأَنْ يَجِبَ بِمَا هُوَ فَوْقَهَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَمْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
قَالَ: (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِهِ انْجَبَرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ وَسَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَنْجَبِرُ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ، فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا مِلْكُهُ كَمَا فِي وَلَدِ الظَّبْيَةِ، وَكَمَا إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ، أَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَبِالْوَلَدِ وَفَاءٌ وَصَارَ كَمَا إذَا جَزَّ صُوفَ شَاةِ غَيْرِهِ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ خَصَى عَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ عَلَّمَهُ الْحِرْفَةَ فَأَضْنَاهُ التَّعْلِيمُ.
وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ أَوْ الْعُلُوقُ عَلَى مَا عُرِفَ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا، فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا، وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهَا ثُمَّ نَبَتَتْ أَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهَا وَأَدَّاهُ مَعَ الْعَبْدِ يَحْتَسِبُ عَنْ نُقْصَانِ الْقَطْعِ وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ، وَتَخْرِيجُ الثَّانِيَةِ: أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ إذْ الْوِلَادَةُ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ أَصْلِهِ لِلْبَرَاءَةِ، فَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ خَلَفِهِ وَالْخِصَاءُ لَا يُعَدُّ زِيَادَةً، لِأَنَّهُ غَرَضُ بَعْضِ الْفَسَقَةِ، وَلَا اتِّحَادَ فِي السَّبَبِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ، لِأَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ الْقَطْعُ وَالْجَزُّ وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ النُّمُوُّ وَسَبَبَ النُّقْصَانِ التَّعْلِيمُ وَالزِّيَادَةُ سَبَبُهَا الْفَهْمُ.
قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا فَحَبِلَتْ ثُمَّ رَدَّهَا وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ عَلَقَتْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحُرَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا).
لَهُمَا: أَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ وَالْهَلَاكُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ فَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ كَمَا إذَا حَمَلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا فَهَلَكَتْ أَوْ زَنَتْ فِي يَدِهِ، ثُمَّ رَدَّهَا فَجُلِدَتْ فَهَلَكَتْ مِنْهُ وَكَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ حَبِلَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَهُ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَمَا انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرُدَّتْ وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَهُ.
فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ وَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَةً فَقُتِلَتْ بِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ أَوْ دُفِعَتْ بِهَا، بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِكُلِّ الْقِيمَةِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْحُرَّةِ، لِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِيَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ بَعْدَ فَسَادِ الرَّدِّ، وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءُ التَّسْلِيمِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ شَرْطُ صِحَّةِ الرَّدِّ وَالزِّنَا سَبَبٌ لِجَلْدٍ مُؤْلِمٍ لَا جَارِحٍ وَلَا مُتْلِفٍ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ.
قَالَ: (وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَضْمَنُهَا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَذْهَبَيْنِ بَيْنَ مَا إذَا عَطَّلَهَا أَوْ سَكَنَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ عَطَّلَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ حَتَّى تُضْمَنَ بِالْعُقُودِ فَكَذَا بِالْغُصُوبِ.
وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِحُدُوثِهَا فِي إمْكَانِهِ، إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ، لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ كَيْفَ وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا، لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْأَعْيَانِ، وَقَدْ عَرَفْت هَذِهِ الْمَآخِذَ فِي الْمُخْتَلَفِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا بَلْ تُقَوَّمُ ضَرُورَةً عِنْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ إلَّا أَنَّ مَا انْتَقَصَ بِاسْتِعْمَالِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ.

.فصلٌ فِي غَصْبِ مَا لَا يَتَقَوَّمُ:

قَالَ: (وَإِذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا، فَإِنْ أَتْلَفَهُمَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَضْمَنْ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُهُمَا لِلذِّمِّيِّ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتْلَفَهُمَا ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ بَاعَهُمَا الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ، لَهُ: أَنَّهُ سَقَطَ تَقَوُّمُهُمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، فَكَذَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ، لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَنَا فِي الْأَحْكَامِ فَلَا يَجِبُ بِإِتْلَافِهِمَا مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَهُوَ الضَّمَانُ.
وَلَنَا أَنَّ التَّقَوُّمَ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ إذْ الْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا، وَالْخِنْزِيرُ لَهُمْ كَالشَّاةِ لَنَا، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ، فَيَتَعَذَّرُ الْإِلْزَامُ، وَإِذَا بَقِيَ التَّقَوُّمُ فَقَدْ وُجِدَ إتْلَافُ مَالٍ مَمْلُوكٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَضْمَنُهُ، بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَدِينُ تَمَوُّلُهُمَا إلَّا أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ لِكَوْنِهِ إعْزَازًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَتْ الْمُبَايَعَةُ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ، لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، وَبِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا إذَا كَانَ لِمَنْ يُبِيحُهُ، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ.
قَالَ: (فَإِنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَلِصَاحِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ) وَالْمُرَادُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ: إذَا خَلَّلَهَا بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَمِنْهُ إلَى الشَّمْسِ، وَبِالْفَصْلِ الثَّانِي: إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْقَرْظِ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا التَّخْلِيلَ تَطْهِيرٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا تَثْبُتُ الْمَالِيَّةُ بِهِ وَبِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ، فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ، وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَبَيَانُهُ: أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَقِّ الْحَبْسِ فِي الْمَبِيعِ.
قَالَ: (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَمْ يَضْمَنْ الْجِلْدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ) وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ بِالْإِجْمَاعِ.
أَمَّا الْخَلُّ: فَلِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ.
وَيَجِبُ مِثْلُهُ، لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَهُمَا: أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَيَضْمَنُهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُهُ، وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ، فَإِذَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ خَلَّفَهُ قِيمَتَهُ كَمَا فِي الْمُسْتَعَارِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْهَلَاكَ بِنَفْسِهِ،
وَقَوْلُهُمَا: يُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
أَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِهِ فَيُطْرَحُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ، ثُمَّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَلَهُ: أَنَّ التَّقَوُّمَ حَصَلَ بِصُنْعِ الْغَاصِبِ وَصَنْعَتُهُ مُتَقَوِّمَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، فَكَانَ حَقًّا لَهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لَهُ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ، ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، فَكَانَ التَّابِعُ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ قِيمَتِهِ، بِخِلَافِ وُجُوبِ الرَّدِّ حَالَ قِيَامِهِ، لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمِلْكَ وَالْجِلْدُ غَيْرُ تَابِعٍ الصَّنْعَةَ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا، بِخِلَافِ الذَّكِيِّ وَالثَّوْبِ، لِأَنَّ التَّقَوُّمَ فِيهِمَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الدَّبْغِ وَالصَّبْغِ، فَلَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلصَّنْعَةِ، وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ، لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً: وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَهُمَا: لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَضَمِنَهُ عَجَزَ الْغَاصِبُ عَنْ رَدِّهِ فَصَارَ كَالِاسْتِمْلَاكِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ثُمَّ قِيلَ: يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ، وَقِيلَ: يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، وَلَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ.
وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا، وَقِيلَ: طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ، لِأَنَّ وَصْفَ الدِّبَاغَةِ هُوَ الَّذِي حَصَلَهُ، فَلَا يَضْمَنُهُ.
وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّ صِفَةَ الدِّبَاغَةِ تَابِعَةٌ لِلْجِلْدِ، فَلَا تُفْرَدُ عَنْهُ وَإِذَا صَارَ الْأَصْلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَذَا صِفَتُهُ.
وَلَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ قَالُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا: أَخَذَهُ الْمَالِكُ، وَأَعْطَى مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَبْغِ الْجِلْدِ، وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا: أَنْ يُعْطَى مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَرْكَهُ عَلَيْهِ وَتَضْمِينَهُ فَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ، وَقِيلَ فِي دَبْغِ الْجِلْدِ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا، كَمَا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ.
وَلَوْ خَلَّلَهَا بِإِلْقَاءِ الْخَلِّ فِيهَا، فَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ إنْ صَارَ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِنْ لَمْ تَصِرْ خَلًّا إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ، بِأَنْ كَانَ الْمُلْقَى فِيهِ خَلًّا قَلِيلًا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَيْلِهِمَا، لِأَنَّ خَلْطَ الْخَلِّ بِالْخَلِّ فِي التَّقْدِيرِ وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ لِلْغَاصِبِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ نَفْسَ الْخَلْطِ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ، وَلَا ضَمَانَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ نَفْسِهِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا وَيَضْمَنُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ.
وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ أَجْرَوْا جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، لِأَنَّ الْمُلْقَى فِيهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي الْخَمْرِ، فَلَمْ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا، وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ، وَقَدْ أَثْبَتْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى.
قَالَ: (وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ دُفًّا أَوْ أَرَاقَ لَهُ سُكَّرًا أَوْ مُنَصَّفًا.
فَهُوَ ضَامِنٌ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَضْمَنُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ الَّذِي يُضْرَبُ لِلَّهْوِ، فَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَقِيلَ الْفَتْوَى فِي الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَالسُّكَّرُ اسْمٌ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الرَّطْبِ إذَا اشْتَدَّ وَالْمُنَصَّفُ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ، وَفِي الْمَطْبُوخِ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَهُوَ الْبَاذَقُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَتَانِ فِي التَّضْمِينِ وَالْبَيْعِ، لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ، فَبَطَلَ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا إذَا فَعَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهَا أَمْوَالٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ صَلَحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ، فَصَارَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَهَذَا، لِأَنَّ الْفَسَادَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَالتَّضْمِينِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ إلَى الْأُمَرَاءِ لِقُدْرَتِهِمْ وَبِاللِّسَانِ إلَى غَيْرِهِمْ وَتَجِبُ قِيمَتُهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلَّهْوِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ تَجِبُ الْقِيمَةُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأُمُورِ كَذَا هَذَا وَفِي السُّكَّرِ وَالْمُنَصَّفِ تَجِبُ قِيمَتُهُمَا، وَلَا يَجِبُ الْمِثْلُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ جَازَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ صَلِيبًا حَيْثُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ صَلِيبًا، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا: يَضْمَنُ قِيمَتَهَا، لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمُدَبَّرَةِ مُتَقَوِّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَمَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ وَالدَّلَائِلُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.